بقلم أشرف جابر*
عندما يخطئ أحدهم أو يرتكب جريمة، يجب أن يُحاسب، وبعدما يُحاسب، يجب أن ينتهي الأمر وتتاح له فرصة العودة لحياته الطبيعية.. هذا في صالح الفرد وفي صالح المجتمع، ليس مطلوباً أن تحبه أو أن تتعاطف معه أو أن تعينه وزيراً للخارجية.. فقط احترم حقوقه! فلا عقوبات أبدية ولا عقوبات أصلا إلا وفق القانون.
وفي لحظات التحول الكبرى، لا تُقاس قوة الدول فقط بصرامة قوانينها، بل كذلك بقدرتها على التجاوز. على طي الصفحات المنتهية دون أن تنكر ما كُتب فيها. والعفو (خاصة بعد تطبيق العقوبة) ليس ضعفاً، بل هو تعبير عن نضج سياسي، ووعي مجتمعي بأن العقوبة ليست أبدية وليست نهاية الطريق، بل جزء من مسار الإصلاح.
اليوم، ومع الإفراج عن علاء عبد الفتاح، تعود إلى السطح قضية أعمق من مجرد شخص واحد: كيف نتعامل مع من أنهوا عقوباتهم؟ كيف نعيد دمجهم؟ وهل يمكن أن نفتح الباب حتى للهاربين في الخارج، ليعتذروا ويعودوا، حتى تحت شرط أن يقدموا أنفسهم طواعية لسلطة القضاء؟
هذه ليست دعوة للتسامح المجاني، بل لإعادة التفكير في فلسفة العقوبة، وفي مستقبل من دفعوا ثمن أخطائهم.
والعدالة لا تعني الإقصاء الأبدي، فحين يخطئ الإنسان، يُحاسب. وحين يُحاسب، يجب أن يُتاح له أن يعود. هذه قاعدة إنسانية وقانونية أيضاً. استمرار العقوبة خارج أسوار السجن هو ظلم من الخطأ الدعوة له، وهو لا يخدم الفرد ولا المجتمع.
علاء عبد الفتاح قال كلاماً فارغاً، وهرتّل وحرّض على القتل، وارتكب أخطاء سياسية وإعلامية فادحة، دفع ثمنها بالسجن وفق القانون. لو كانت جرائمه قتل أو حرق، لكان الحكم مختلفاً، ربما حوكم بالإعدام. لكن الأمر انتهى، والعقوبة أُنجزت، والعفو المبكر لا يعني غير أن الدولة تأكدت من صلاح حال المفرج عنه، والتزامه المسبق بالقانون. وإن ارتكب مخالفات أو جرائم، فما المشكلة في القبض عليه ومحاكمته من جديد؟!
مشكلتنا الحقيقية مع تنظيم إجرامي قرر أن يحارب مصر واستقرارها ونظامها السياسي بكل الطرق حتى لو تحالف مع العدو الصهيوني، مشكلتنا وحربنا معهم ومع من يتحالف معهم، ومن الأفضل أن تبقى المشكلة معهم حصراً..
لكن اليوم، لا مبرر لاستمرار الإقصاء. لا مبرر لشيطنة من أنهوا عقوباتهم. بل يجب أن نعيد دمجهم، ونمنحهم فرصة حقيقية ليكونوا مواطنين صالحين.
في الخارج، كثيرون أخطأوا. بعضهم تورط في تحريض، وبعضهم انجرف وراء شعارات فارغة. لكن الزمن تغيّر، والبلد تغيّرت، وربما هم أيضاً تغيّروا.
لماذا لا نفتح الباب أمامهم؟ ليعتذروا، ويعودوا، ويعرضوا أنفسهم على القضاء؟ لماذا لا نمنحهم فرصة ثانية، وفق القانون؟ هذا ليس تنازلاً، بل استثمار في الاستقرار الذي حققناه بالعمل والصبر. إن كل عائد من الخارج هو صفحة تُطوى، وخصومة تُغلق، وطاقة يُعاد توجيهها في الاتجاه الصحيح.
بعض النالس يرون أنه كان يجب أن يقضي علاء (والآخرون) حياتهم بأكملها في السجن، بغض النظر عن القانون وأن العقوبة محددة المدة! هذ السلوك بالغ التطرف ولا يقل تطرفا عمن يقدمون أنفسهم كأعداء للبلد والسلطات، ففي لحظة ما، قد تكون أنت وقد يكون يكون ابنك أو ابنتك في نفس الموقف. قد يخطئوا، يُحاكموا، ويقضوا عقوبتهم. هل تتمنى أن يُقصَوا إلى الأبد؟ أم ستكون أمنيتك أن يجدوا مجتمعاً قادراً على الاستيعاب، ومنح فرصة جديدة؟
اقلب الصفحة. من أجل الفرد والمجتمع، ومن أجل بلد لا سيادة فيه لغير القانون..
أشرف جابر، الكتاب الصحفي ورئيس التحرير
agaber@live.com