مقال يكتبه أشرف جابر*
رغم محاولة تلك “الملثمة” الاعتذار عن كلامها المقزز والمفزع، والذي يشكل درجة متقدمة في جهود التفسُّخ التي تطارد مجتمعنا وتجتهد بإصرار في تشويهه، ووضع الأشخاص المسخ في مقدمة المشهد! ومحاولتها تبسيط حديثها التعيس عن عريس تقدم لابنتها وهو “ماعندوش عربية” وكذلك على والده ووالدته، بأن ذلك كان تهكماً على “مجرد حلم” رأته إحدى بناتها، ولا يمس أي شخص حقيقي؛ (وزي ماوزير السياحة قال “الله يسامح اللي سرب خبر اختفاء الإسورة”، تلك المرأة قالت، “منه لله اللي أساء ليا ولبناتي”)! إلا أن القصة برمتها هي انعكاس لمواقف شريحة لا بأس بها تعيش بيننا بالفعل، وليس في مصلحة أحد، أن تزيد رقعتها المريضة في جسد المجتمع.
ماحدث: أم منقبة وابنتها تسخران من شاب مهندس تقدّم للزواج. لم يكن الاعتراض على أخلاقه أو مستوى تعليمه أو وظيفته، أو حتى مظهره، بل على كونه لا يملك سيارة. ضحكات الاستهزاء تلك لم تجرح شاباً واحداً فحسب، بل كشفت عن جرح جاد في جسد المجتمع: حيث تحوّل الزواج من ميثاق مودة ورحمة إلى صفقة.
سقوط أخلاقي
لا أعلم مالذي تدركه تلك المرأة عن صحيح الدين الذي يوحي ملبسها بأنها تلتزم بقيمه، فلا هي التزمت بالحياء الذي يمثله ذلك الرداء الذي يغطي سائر جسدها، سوى عينيها “المعبرتين”، ولا هي التزمت بستر شخص مفترض أنها رفضته لعدم تلبيته تطلعاتها المادية..
تناقض فاضح، وتدين شكلي يرفع الشعارات والشكليات، بينما يسقط في أوحال المادية والاستهزاء بالكرامة الإنسانية. حتى لو كان الأمر مجرد حلم، فما القيمة أن يخرج فيديو بهذه البشاعة؟!
الإسلام يأمر، “إن جائكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوجوه” وفي المسيحية، “يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً” وفي اليهودية أيضاً، الزواج ميثاق مقدس لبناء بيت قيمي.
الشباب الشريف.. ثروتنا المنسية
في الوقت الذي تعلو فيه أصوات هؤلاء الأوغاد التوافه ويأخذون اللقطة وصدارة الصورة، يتوارى الشباب المتعلم الذي يكدّ ليجد لنفسه مكاناً تحت الشمس. من يقول لأبنائنا؛ قيمتك الحقيقة لا تُقاس بالعقارات ولا رصيدك البنكي، بل بما تحمله من علم وخلق وكرامة، وأن شهادتك وعملك الشريف أرقى وأرفع من ألف صفقة زائفة. لا تسمح لضحكات الجهل أن تسرق ثقتك بنفسك، فأنت الباني الحقيقي للمجتمع.
والأهم، مَن يعيد ترتيب المشهد، ويضع الشباب في المقدمة، ويتيح لهم فرصة بناء أنفسهم وامتلاك مايؤهلهم لحياة مستقرة وكريمة.
أيها السادة، الزواج قيمة روحية وأخلاقية، وليس مزاداً علنياً، هناك نتائج كارقية لمعادة (المال = الزواج)، فحين يصبح المال ه والمعيار الوحيد أو لرئيسي، فإن النتيجة المباشرة ستكون “شباب يعزفون عن الزواج لعجزهم عن تلبية الشروط المادية الجنونية”، علاقات خارج الزواج، ديون وضغوط نفسية تفتك بالبيوت قبل أن تُبنى. وبنات يتربين على قيم مشوهة، فينشأن زوجات فاشلات لا يعرفن معنى الاحترام أو المودة.
أبنائي، تجنبوا هذا الجحيم
وهنا أوجه كلامي للشباب بشكل أساسي، لا تيأسوا، فالمستقبل لكم، والمجتمع الذي يكرّم العلم والخلق سيبقى وسيزدهر، إذا وجدت أسرة تقيسك فقط بما تملك من أموال وعقارات، فابتعد. ابحث عن بيت يقدّر الدين والعلم والخلق. ولا تستدن لتشتري زواجاً مزيّفاً، فالزواج البسيط المبارك خير من زواج يبدأ بالديون وينتهي بالكوارث.
المجتمع، نوبة صحيان
ما حدث ليس حادثة معزولة، بل عرض لمرض اجتماعي يهدد مؤسسة الزواج. إذا استمر تقديس المال، سنجد أنفسنا أمام أجيال مشوهة القيم، لا تعرف معنى الكرامة ولا الاحترام. نحن بحاجة إلى ثورة تعيد الاعتبار للإنسان، قبل ممتلكاته. إلى أمهات وآباء يربّون أبناءهم على أن الزواج شراكة ومسؤولية، لا صفقة ومباهاة.
طاقة نور
ورغم كل هذا السواد، فإن الغضب الشعبي من الفيديو دليل أن الضمير الجمعي لم يمت، وأن الكتلة الصلبة من المجتمع لا تزال تؤمن أن القيم الأصيلة أقوى من كل هذا الزيف.
أشرف جابر
الكاتب الصحفي ورئيس التحرير
agaber@live.com