بقلم أشرف جابر*
الاحتفاء بمصر في هذه اللحظة التاريخية ليس مبالغة وله ما يبرره، فبينما كانت الجماعات المناصرة للصهيونية وعلى رأسها “الإخوان” وبعض الأنظمة العربية تشن (وتقود وتغض الطرف) حملات تشويه وضيعة ضد مصر، كانت القيادة المصرية تعمل بثبات وإخلاص لتحقيق هذا الإنجاز الذي بدى بعيداً جداً.
الحدث الكبير الذي احتضنته شرم الشيخ اليوم، حيث شهد العالم توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة تحت الرعاية المشتركة للرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لم يكن مجرد اتفاق سلام جاء تلقائيا، بل كان تتويجاً للجهود المصرية الدؤوبة وإثباتاً لحقيقة واحدة: أن مصر عندما تضع تصوراتها المدروسة الناضجة وخطوطها الحمراء فإن العالم يحترمها ويتعامل معها.
في مواجهة حملات التشويه المنظمة
تعرضت مصر وتتعرض لحملات تشويه وضيعة من بعض الجماعات والدول المعادية لمصر والداعمة للمصالح للصهيونية والتي دأبت على الحديث في الفضاء بعيداً عن الواقع أو الممكن، والاكتفاء بمهاجمة مصر وتحميلها بالباطل كل إخفاق.
وقد كشفت الأحداث الأخيرة عن تحالف مشبوه بين الجماعات الإخوانية وعدد من الدول من جانب والمشروع الصهيوني من جانب آخر، على سبيل المثال نظمت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني تظاهرة مريبة أمام السفارة المصرية في تل أبيب، رُفعت فيها أعلام الاحتلال وليس أعلام فلسطين. هذا المشهد المفضوح كشف حقيقة أن الجماعة باتت أداة صهيونية بامتياز، تعمل على خدمة مشروع التهجير القسري لأهالي غزة.
بل إن الأمر وصل إلى حد أن إحدى الدول دفعت رشاوى لمستشاري نتنياهو للحديث بشكل سلبي عن جهود مصر في الوساطة، والترويج لجهود تلك الدولة الشقيقة (رغم تواضع تلك الجهود). هذا التآمر المكشوف يؤكد أن هناك مخططاً منظماً لتهميش الدور المصري وإضعاف موقعها في المنطقة.
جهود مبدأية ومخلصة واستثنائية
في مقابل هذه الحملات المغرضة، بذلت مصر وتبذل جهوداً مخلصة وكبيرة تستحق الإشادة. فمنذ بداية الأزمة، قادت مصر جهود الوساطة، وعملت على تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث أدخلت ما يمثل 70% من إجمالي المساعدات التي قدمتها جميع دول العالم لغزة.
وبعد نجاح مؤتمر شرم الشيخ ووقف الحرب، تعهدت مصر باستضافة مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية خلال الأيام المقبلة، وذلك بالتنسيق مع كافة الشركاء، للمضي قدماً في إعادة الإعمار للقطاع دون إبطاء. كما شددت على أهمية قيام الدول الأوروبية بتشجيع كافة الأطراف المعنية على تنفيذ اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة.
مصر وقفت بمفردها (تقريباً) في مواجهة مشروع التهجير وريفييرا غزة التي سعى فيها ترامب بقوة في البداية. حينها قالت مصر بوضوح إن التهجير خط أحمر وأعلنت بأنها لن تتفاوض على هذا الأمر.
وجدد الرئيس السيسي في مناسبات متعددة تأكيد موقف مصر الثابت: “لا تهجير للفلسطينيين في قطاع غزة إلى مصر”، مضيفاً أن “التهجير خط أحمر لم ولن نقبل أو نسمح به”. وأكد أن “مصر لن تكون بوابة لتهجير الشعب الفلسطيني”.
هذا الموقف الصلب لم يكن مجرد تصريحات سياسية، بل عقيدة راسخة في نفوس وضمائر المصريين والإدارة المصرية، كما عبر الرئيس السيسي. ولذلك وقف الشعب المصري بأكمله خلف هذا الموقف، في تلاحم نادر بين القيادة السياسية والشعب، وربما لم يحدث منذ سنوات.
وفي النهاية تم كل شيء وفق الإرادة والمواصفات المصرية. صحيح أن هذا ليس كل ما نتمناه، لكنه أكبر كثيراً مما هو ممكن في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية.
فقد شهدت القمة مشاركة قادة وممثلين عن أكثر من 30 دولة ومنظمة إقليمية وعالمية، في مشهد يؤكد الثقة الدولية في الدور المصري والقيادة الحكيمة للرئيس السيسي. وقد ثمن القادة المشاركون دور مصر، في قيادة وتنسيق جهود العمل الإنساني منذ بداية الأزمة، وفي الوساطة إلى أن تم التوصل لاتفاق شرم الشيخ.
“متلازمة ترامب” تعطلت في شرم الشيخ
لم تتوقف الإشادات الدولية بمصر ومواقفها طوال الشهور والأسابيع الأخيرة، وتداولت تصريحات وخطابات الرؤساء وكبار المسؤولين خاصة في أوروبا، التأكيد على الثقة الكاملة في مصر وموقفها وقدرتها على قيادة الملف.. أي ملف..
واليوم جاءت شهادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الذي دأب على التقليل من الرؤساء والملوك الذين يلتقي بهم) لتؤكد ما نقوله. فقد قال ترامب نصاً: “السيسي قائد قوي وجنرال قوي”، وأضاف: “أنا هنا مع صديقي، إنه قائد قوي، الرئيس.. وجنرال أيضاً، وهو جيد في كلاهما.”
ولم تقتصر إشادة ترامب على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت لتشمل الوضع الأمني في مصر، حيث قال: “لديهم معدل جريمة منخفض هنا.. هنا بمصر لا يعبثون عندما يتعلق الأمر بالجريمة وليس كما يحدث في أمريكا”. وأضاف: “معدل الجريمة هنا في مصر منخفض للغاية، إنه شيء رائع جداً”.
هذه الشهادة من رئيس أقوى دولة في العالم تعكس الاحترام الدولي للنموذج المصري في إدارة الأمن والاستقرار، وتؤكد أن ما تحققه مصر من إنجازات أمنية يُعد نموذجاً يحتذى به في المنطقة.
وقد عبر ترامب أيضاً عن تقديره للجهود المصرية في عملية السلام قائلاً: “الجنرال السيسي لعب دوراً مهماً للغاية، كان دوره محورياً، فهم يحترمون قيادة مصر.” وأكد أن “الولايات المتحدة مع الرئيس المصري دائماً وحتى النهاية.”!
قواعد اللعبة على الطريقة المصرية
إن قمة شرم الشيخ للسلام لم تكن مجرد حدث دبلوماسي عادي، بل كانت لحظة تاريخية فارقة أعادت فيها مصر تعريف قواعد اللعبة في المنطقة. فقد أثبتت أن الثبات على المبادئ والوقوف في وجه الضغوط يؤتي ثماره في النهاية، بل ويحقق المصالح أيضاً.
فقد تم كل شيء وفق الرؤية المصرية، وشهد العالم على ذلك، ووقف قادة الدول الكبرى ليشيدوا بالدور المصري ويؤكدوا ثقتهم في مصر والإدارة التي تحكمها.
إن هذا الانتصار الدبلوماسي يؤكد حقيقة واحدة: أن مصر عندما تقول كلمتها بوضوح وثبات، فإن العالم كله يسمع ويحترم. وأن الشعوب التي تقف خلف قياداتها في اللحظات الحاسمة هي التي تصنع التاريخ وتحقق الانتصارات. أشرف جابر، الكاتب الصحفي ورئيس التحرير
agaber@live.com